شكلت انتفاضة الأسرى الأبطال في سجون الاحتلال الصهيوني مؤشراً جديداً على إرادة المقاومة التي يتمتعون بها في سجونهم، فهم يصنعون من سلاح أمعائهم الخاوية مقاومة عنيدة وصلبة في مواجهة بطش وإرهاب المحتل وإجراءاته التعسفية المنافية لحقوق الإنسان، كاشفة للعالم أجمع عداء الكيان الصهيوني لكل القيم الإنسانية وضربه بعرض الحائط القوانين والمواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان بل إن انتفاضة الأمعاء الخاوية ومن خلال المطالب الإنسانية التي يطالب المضربون بتحقيقها كشرط لوقف إضرابهم المفتوح عن الطعام.
وضعوا منظمات الأمم المتحدة وجمعيات حقوق الإنسان العالمية أمام تحدي التحرك لدعم حقوق الأسرى والمعتقلين، واتخاذ الإجراءات العقابية بحق كيان الاحتلال الصهيوني لاسيما وأنه مع كل يوم ينقضي على إضراب الأسرى يشكل إدانة لكل من يقف صامتاً متفرجاً على الانتهاكات السافرة لحقوق الإنسان في فلسطين المحتلة.
وإذا كان الإضراب جسّد البعد الإنساني من خلال المطالبة بالسماح لذوي الأسرى بزيارتهم مدة أطول وأن تكون الزيارات أكثر تواتراً، وأن يسمح لأطفالهم بملاقاتهم، وتحسين الخدمة الصحية، وإنهاء العزل الانفرادي والاعتقال الإداري، وغير ذلك من الأمور الإنسانية.
إلاّ أنه كشف للعالم الطبيعة العدوانية العنصرية والوحشية للكيان الصهيوني، فهو لا يتوانى عن الإيغال في هذه الممارسات المعادية للإنسانية، وأن ما يشجعه على مواصلة ارتكابها تواطؤ أو صمت المنظمات الأممية عليها، وفي المقدمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، الأمر الذي يكشف حجم اللوبيات الصهيونية المؤثرة في دوائر القرار في الدول الغربية التي تهيمن بدورها على المنظمات الدولية التي تبين أنها لا تتحرك إلاّ بأمر منها، أو إذا كان لها مصلحة في هذا التحرك.
وإذا كان هذا الصمت قد هز الرأي العام العالمي، وكشف له تخاذل المنظمات الدولية وتلكؤها في الدفاع عن حقوق الإنسان في فلسطين المحتلة، التي تدعي أنها تعمل لأجلها.
فإن الأخطر هو صمت النظام العربي الرسمي، خصوصاً جامعة الدول العربية التي لم تحرك ساكناً وكأن ما يحصل لا يعنيها ولا يستأهل اجتماعاً طارئاً وتحركاً سياسياً ودبلوماسياً على المستوى الدولي لمساندة نضال الأسرى ونصرتهم.
مع ذلك فإن صمود الأسرى واستمرارهم في مقاومتهم بأمعائهم الخاوية، ورفعهم شعار النصر أو الشهادة، أدى إلى تحقيق النتائج التالية.
النتيجة الأولى: استنهاض الشارع العربي والفلسطيني وإعادة توجيه البوصلة نحو فلسطين، فعمت الاعتصامات والتظاهرات والتحركات المختلفة في داخل فلسطين المحتلة وفي العديد من الدول العربية، والعالمية منددة بالوحشية الصهيونية ومتضامنة مع الأسرى، وهو ما أدى إلى تحطيم جدار الصمت الرسمي العربي والدولي وإحباط مخططات العدو لجعل القضية الفلسطينية قضية منسية غير مدرجة على جدول اهتمامات الرأي العام العربي والدولي.
النتيجة الثانية: إرباك كيان الاحتلال وجعله يفتقد إلى الراحة في تنفيذ مخططاته وإجراءاته التعسفية القمعية، ما أدى إلى تشتيت جهود سلطات العدو وجعلها تواجه إضراباً ومقاومة وانتفاضة شعبية واسعة هبت لنصرة المضربين، ورأيا عاماً عالمياً يتضامن معهم.
النتيجة الثالثة: إن انتفاضة الأسرى جاءت لتلاقي انتفاضة الشبان والشابات في القدس المحتلة والخليل، فهي نجحت في تجديد مقاومة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال ومستوطنيه وجعلهم يقلقون على أمنهم واستقرارهم، كما جاءت لتؤكد بأن مقاومة الأسرى والانتفاضة هما السبيل لمواجهة المحتل وهجومه الاستيطاني، وهما السبيل للتحرر من أسر المحتل وتحرير الأرض واستعادة الحقوق، أما الاستكانة والمراهنة على المفاوضات فإنها لم تؤدِ إلاّ إلى تشجيع الاحتلال على التوغل في عدوانه والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني، والعمل على محاولة تحقيق أهدافه في تصفية القضية.
النتيجة الرابعة: نجاح الأسرى في التأكيد لكل الفصائل الفلسطينية بأن السبيل لتحقيق الوحدة الحقيقية واستنهاض الشارع الفلسطيني والعربي وكسب تأييد الرأي العام العالمي في التصدي للاحتلال ومواجهة مخططات العدو والحفاظ على عروبة فلسطين وتحريرها، وعودة أبنائها إليها وتحرر الأسرى، إنما يكمن في الانخراط في معترك النضال ضد المحتل، والعودة إلى انتهاج خيار المقاومة المسلحة.
غير أن العودة إلى المقاومة المسلحة في الاحتلال تستدعي مراجعة جدية من قبل الفصائل الفلسطينية تتجنب الوقوع في فخ العلنية تحت الاحتلال، فالمقاومة حتى تكون جدية وقادرة على خوض نضال طويل النفس ضد المحتل يجب أن تلتزم تقاليد النضال السري الذي اعتمدته كل تجارب المقاومات الشعبية التي خاضت الكفاح ضد قوات الاحتلال إن كان في فيتنام أو الجزائر أو الصين... الخ.
انطلاقاً مما تقدم يمكن القول إن إضراب الأسرى شكل نقطة تحول في نضال وكفاح الشعب العربي الفلسطيني، فهو أعاد تصويب البوصلة نحو الصراع مع المحتل، وبعث الروح في التحركات الشعبية في فلسطين والدول العربية رغم ما تشهد هذه الدول من صراعات.